تعتبر علوم التربية من أحدث العلوم الإنسانية بالرغم من أن بعض مرتكزاتها المعرفية كالفلسفة، هي أقدم من أن تعتبر كذلك. إن استعمال علوم التربية بالجمع واحد من العوامل التي أدت إلى إشكالية على مستوى هويتها، إذ من الصعب أن نجد تحديدا موحدا لهذه العلوم، بل من الصعب العثور على اتفاق على مستوى تصنيفها. وأمام هذا الإشكال الذي يجعل من علوم التربية لدى البعض علوما قائمة مستقلة فارضة ذاتها على التربية، محددة هويتها، ولدى البعض الآخر مجرد طفيليات. أمام كل هذا تأني فلسفة التربية بإشكالات أخرى باعتبار أن إدماجها ضمن أسرة علوم التربية لم يكن بالأمر الهين والمستساغ من طرف جميع الدارسين، لما يطرحه هذا الاندماج من مفارقات إبستمولوجية. فلماذا فلسفة التربية إذن؟
فرغم التساؤل حول قيمة وأهمية حضور الفلسفة في ميدان التربية في وقت يبدو فيه أن العلوم عامة والعلوم الإنسانية خاصة، قادرة وحدها على أن تمد الفعل التربوي بكل ما يحتاجه من أدوات منهجية ووسائل عمل ضرورية، فإن فلسفة التربية تستمد أساسها من طبيعة الموضوع الذي تهتم به التربية ذاتها، وهو الإنسان في علاقته بالمجتمع. ومن المعروف أن العلاقة بين هذين القطبين: الفرد والمجتمع، ظلت عبر تطور الفكر البشري موضوعا فلسفيا محض، لا يمكن مقاربته إلا من منظور فلسفي خالص.
I ـ الإنسان والتربية
إن ضعف الإنسان الجسدي قد جعله في حاجة أكثر من حيوان آخر إلى الحياة في المجتمع. ولعل النزعة الاجتماعية لديه ليست في أصولها الخوف والقلق اللذين نعمل على التخفيف منهما، ولكن بظهور الحياة في المجتمع تظهر الحاجة إلى التربية، وليس ثمة تربية حيوانية، إذا فهمنا كلمة التربية على حقيقتها، لأن الحيوان ما يلبث سريعا حتى يكتفي بذاته ولا يحتاج إلى عون غيره. أما لدى الإنسان، فالتربية ضرورية للفرد، فبواسطتها يحقق أنسنته. وكذلك ضرورية للمجتمع نفسه، وذلك لكي يتيح لكليهما أن يستخلص الفائدة اللازمة من تلك الممتلكات الجمعية، كالصناعة اليدوية، واللغة والمعرفة العقلية والفنية وغيرها من الصفات الروحية التي يعوض بها النوع الإنساني عن نقائصه البيولوجية الجسدية. لذا، فإن وضع مذهب في التربية ليس ممكنا إلا بمقدار ما يستند إلى فلسفة للإنسان ضمن الوجود.
IIـ الفلسفة و بالتربية
1 ـ الفلسفة وأهميتها
إن الفلسفة ، بصفة عامة، أسلوب منهجي في التفكير في كل ما هو موجود، يسعى إلى معرفة الأشياء، حية وغير حية، من حيث هي كل، معتمدا في ذلك التحليل والتركيب والنقد والتأمل.
وعلى هذا، فالفلسفة طبيعية وضرورية معا