موضوع: فلسفة جريمة الزنا في الشريعة الإسلامية. الثلاثاء يونيو 07, 2011 5:32 am
إن الأساس فى اعتبار الفعل جريمة فى نظر الإسلام هو مخالفة أمر الدين ، وبالاستقراء ثبت أنه ما جاء فى الشريعة أمر إلا وكان يحقق المصلحة الإنسانية لأكبر عدد ، لذا قرر الفقهاء أن الشريعة ما جاءت إلا لحماية المصالح الإنسانية المعتبرة والتى هى جديرة بأن تسمى مصلحة ، وليست هوى جامحاً ولا لذة عاجلة ولا شهوة منحرفة . (1)
ومن الثابت المحقق أن الآيات القرآنية قد سجلت كل أصول نظرية المسئولية الجنائية قبل أن ينادى بها فلاسفة القرن الثامن عشر فى أوربا بأثنتى عشر قرناً . (2)
فإذا كانت المنفعة هى أقرب المذاهب الخلقية لتكون أساساً للقوانين الوضعية كما قرر الفيلسوف بنتام عندما جعلها أساساً للقوانين كلها ، فالمصلحة الحقيقية هى الأساس فى الشريعة الإسلامية ، والذين بنوا القوانين على أساس المذهب النفعى حرروا معنى المنفعة المعتبرة تحريراً علمياً دقيقاً ، كما فعل بنتام ، لذا حق علينا أن نحرر معنى المصلحة فى الإسلام ليتحرر معنى الجريمة ، فإذا كانت المصلحة المحمية هى المعتبرة فالاعتداء عليها جريمة . (3)
وتدور أحكام الشريعة الإسلامية وجوداً وعدماً مع فكرة المصلحة ، ولا تخرج فلسفة التجريم والعقاب عن ذلك الأصل ، إذ تستهدف حماية مصالح اجتماعية ارتأى الشارع الإسلامى جدارة صيانتها من أفعال تمس بها . (4)
والمصالح المعتبرة فى الإسلام ترجع إلى أمور خمسة ، وهى ما فيه حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل ، حفظ النسل ، وحفظ المال (٥).
وهذه الحماية التى يبسطها الشارع الإسلامى على النسل يقصد بها حماية مجموعة هامة من المصالح المتصلة بالعرض على نحو وثيق كصيانة العائلة ، وحفظ الإنسان ، ووقاية المجتمع من الفساد الأخلاقى ومن تفشى الأمراض ، وصيانة السلام الاجتماعى . فصيانة العرض لم تقرر إلا لحماية تلك المصالح لاتصالها الوثيق بالفرد والمجتمع . (6)
ولقد كان حفظ النسل صيانة للنوع البشرى هو المصلحة المحمية فى تجريم فعل الزنا ، ومن أجله كانت عقوبة الزنا ، ومن ذلك شرع تنظيم الزواج ، وصان الله به الحياة الزوجية ، ومنع الاعتداء على الأعراض ، ففى هذا الاعتداء انتهاك للأمانة التى أودعها الله جسد الرجل والمرأة ليكون منهما النسل والتوالد الذى يمنع فناء الجنس البشرى فيعيش على النحو الذى خلق من أجله .
كذلك رأى المشرع الإسلامى حماية الأسرة وهى نواة المجتمع ، فالاعتداء عليها هو اعتداء على النظام الاجتماعى الذى نظم الله فيه العلاقة بين الرجل والمرأة بعلاقة قدسها بكلمته . فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله فى النساء ، فإنهن عوان عندكم ، استحللتم فروجهن بكلمة الله " فكلمة الله هى المنظمة لتلك العلاقة الإنسانية ، فمن أوجد علاقة بغير هذه الكلمة فقد اعتدى على النظام الذى قرره شرع الله ، فوجب عقابه . (7) بقوله تعالى " فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " (
وبذلك يحافظ الإسلام على الحقوق الأخلاقية الفردية بصفة عامة وعلى الحقوق العامة للمجتمع ، ويحول بينه وبين الأخطار التى قد تحيق به من اعتداء الخارجين .
ومن ثم فالإسلام يحافظ على قاعدة المجتمع الإنسانى ألا وهى الأسرة ، ومن أجل ذلك شرع الإسلام الزواج ورغب فيه وجعله سنة من سنن المرسلين ، وجعل الالتزام بهذه الأحكام والوقوف عند حدود الله والعمل بشريعته هو الطريق الوحيد الذى يحافظ على حقوق البشر ويدرأ عنهم الأخطار التى تهدد مجتمعاتهم ، سواء من الانحرافات الخلقية أو الأمراض الجنسية التى تنشأ عن الزنا واللواط وغيرها من الأفعال الجنسية الشاذة والمحرمة .
(1) الإمام محمد أبو زهرة ، الجريمة والعقوبة فى الفقه الإسلامى ، الجزء الأول ، الجريمة ـ دار الفكر العربى ص 32 .
(2) د. على راشد ، القانون الجنائى ، المدخل وأصول النظرية العامة ، دار النهضة 1974 ص 69 .
(3)الإمام محمد أبو زهرة ، الجريمة والعقوبة فى الفقه الإسلامى ، المرجع السابق ص 32 .
(4) د. أشرف توفيق شمس الدين ، الحماية الجنائية للحق فى صيانة العرض فى الشريعة الإسلامية والقانون الوضعى ، ص 42 .
(٥) د. يوسف قاسم ، مشروع قانون العقوبات الإسلامى ، دار النهضة ص 81 .
(٦) د. أشرف توفيق شمس الدين ، الحماية الجنائية للحق فى صيانة العرض ، مرجع سابق ص 42 . (٧) الإمام محمد أبو زهرة ، الجريمة والعقوبة فى الفقه الإسلامى ، الجزء الأول ، مرجع سابق ص 63 . (٨)( سورة المؤمنــون : ( الآية 7) .