الجريمة وعقابها عندما يتعلقان بصغار السن يقتضيان فلسفة ومنطقا مختلفين عنهما في جرائم وعقاب الكبار
الجريمة في أصل مفهومها الاجتماعي هي ذلك السلوك الإنساني الذي يتضمن عدوانا على الحقوق أو انتهاكا للقيم
والأخلاق الاجتماعية الثابتة وكأصل عام أنه بعد التثبت من إسناد الجريمة لمرتكبها توقع عليه عقوبة جنائية والغاية من العقوبة هي إرضاء الشعور العام بالعدالة وبإصلاح الأذى الذي تحدثه الجريمة في الضمير الإنساني
المسئولية الجنائية تكون على من بلغ سن الرشد أما الصغار والمراهقين فلا سبيل لمساواتهم بأقرانهم من البالغين ومن هنا كان للجانحين من صغار السن تدابير خاصة ذات طابع تعليمي وتربوي بهدف إصلاحهم لإنقاذهم من السقوط في الإجرام وهم بحكم سنهم أكثر استعداد للتهذيب والإصلاح والعقوبات بالمعنى الصحيح لا تفلح في تحقيق هذا الهدف بل إنها تثبت نزعة الإجرام في نفوس الأحداث بدلا من انتزاعها منهم وذلك بفعل العدوى من مخالطة الأشقياء في السجون
وعموما يكون لجسامة التصرف الإجرامي للحدث صداه في تحديد التدابير الواجبة التطبيق بحسب التدرج التالي
-التوبيخ:حيث يتوجه به القاضي إلى الحدث والقوانين تجيز للقاضي هذا التدبير في جرائم الجنح أو الجنايات
التسليم للوالدين أو من في حكمهم:من الناحية النظرية هذا التدبير الأفضل لان الآهل هم اعرف الناس بالحدث وميوله وأكثرهم رغبة في تقويمه ولكن ظروف واقعنا تجعل هذا التدبير عديم الجدوى
-التدريب المهني : وهو أن يعهد القاضي بالحدث إلى أحد المصانع أو المتاجر التي تقبل تدريبه ويقضي مدة عقوبته ويغادر حاملا ما تعلمه ليستفيد منه مستقبلا وهذا ممكن أن يكون قابلا للتطبيق فعلا إذا ما وجدت الأماكن التي يعهد إليها بالحدث لتدريبه
-الإيداع في دار للتربية أو معهد للتأهيل: وهذا يكون مع الحدث مرتكب الجنايات والجنح المشددة ويصح في حالات التشرد
وهذه الدور التابعة للدولة ترفع تقارير دورية للقاضي عن أوضاع الحدث
-الإيداع في مأوى علاجي:حيث يودع الصغار في منشأة صحية مخصصة لهذا الغرض ليلقى العناية التي تدعو إليها حالته
-إشراف مراقب السلوك : إن اكثر ما يعيب تدبير التسليم إلى الوالدين هو انه تدبير سلبي لأننا نعيد الولد إلى بيئته العائلية دون أي ضمانه لرعايته وتهذيبه إلا إذا كانت هناك عقوبة على المتولين أمره
إذا أهملوا رعايته فعاد إلى ارتكاب الجريمة أو عاد إلى حالة التشرد
ومن هنا جاءت الحاجة إلى مراقب السلوك الذي يرفع إلى القاضي تقارير شهرية عن الحدث الذي يتولى إمرة والإشراف علية
وختاما إن المفهوم العلمي الاجتماعي للسياسة الجنائية اقتضى معاملة الأحداث عقابيا معاملة فريدة تتفق مع المنطق الحديث الذي يقتضي أن يعامل المجتمع هؤلاء الصغار كما لو كان هو المسئول عن انحرافهم فيتخذ حيالهم التدابير التربوية والرعاية والتأهيل وما هو واجب عليه بالنسبة لهذه الطائفة من ابنائة مهما كانت الظروف
والسن الاعتبارية للحدث يجب أن تكون واضحة ولا يجوز كما في بعض القوانين اعتبار من جاوز سن العشرين حدثا وإلا انتفت كل قيمة لتدابير المعاملة العقابية لصغار السن